من منا لم يقرأ أو يسمع عن بطولات شعوبنا السودانية العظيمة في قضايا التحرر والحرية والإستقلال عبر الأزمنة والأجيال في القارة السمراء وما وراء أفريقيا !!!! ومن منا كمان لم يقرأ أو يسمع بالثورات السودانية المختلفة ومنها الثورة المهدية التي التف حولها كل قطاعات شعوبنا السودانية حتى تحرر السودان من حكم الإنجليز وألحقت بالإمبراطورية البريطانية هزيمة تأريخية نكراء !!! ومن منا أيضا لم يقرأ أو يسمع بثورة أكتوبر 1964 المجيدة التي قادتها شعوبنا السودانية الباسلة الشجاعة والتي أدت إلى الإطاحة بدكتاتور البلاد أنذاك الفريق عبود بعد ست سنوات من حكمه الفوضوي العسكري المستبد !! وجميعنا أيضاً قرأ أو سمع بتلك الإنتفاضة الشعوبية السودانية في السادس من أبريل التي أطاحت بنظام الجنرال جعفر محمد نميري لينتهي بذلك ذاك الحكم البربري الظالم الجائر الذي دام ست عشر عاما بالكمال والتمام !! ، بالإضافة إلى العديد من المواقف التأريخية المشرفة لتلك الشعوب 0 هذه المقدمة القصيرة جدا تقودنا إلى خلاصة بسيطة وهي أن الشعوب السودانية كانت تحب الحرية والسلام وترفض القمع والإستبداد والقهر والجور ، هكذا يقول التأريخ 0
لكن مع مجئ نظام الإنقاذ في عام 1989 حدثت تطورات جديدة وظهرت عدة أوراق كشفت ضعف شعوبنا السودانية ، منها سكوتها وعدم حمايتها للنظام الديمقراطي الذي أتت به هي نفسها في عام 1986 في انتخابات حرة ونزيهة بالمعايير الأفروعربية ، وقبولها بنظام الجبهة إسلاماوية الذي يحكم البلاد حتى الآن بالنفاق والدجل الواضحين 0 هذا السكوت والصمت من قبل تلك الشعوب ورقة استخدمها الطرف الإنقاذي لتهيئة المناخ الملائم لتصفية خصومه سياسياً وجسدياً ليحكم لأطول فترة ممكنة ؛؛ ، وانتهازاً لهذا الصمت الرهيب والسكوت القاتل مارس نظام الإنقاذ أبشع صور التعذيب في حق مواطنين سودانيين جريمتهم الوحيدة هي أنهم طالبوا ببعض حقوقهم المشروعة ؛؛ هذا الصمت الشعوبي السوداني على ممارسات حكومة الإنقاذ البربرية الوحشية تجاه مواطنيها هي التي دفع بالعديد من المراقبين خاصة السياسيين منهم ان يتساءلوا ما الذي حدث للشعوب السودانية المعروف بثوريتها وبرفضها للإساءات والظلم والقهر والتنكيل بها ؟ وهي التي كانت دائما تهب عن بكرة أبيها للإطاحة بالديكتاتوريين المستبدين والطغاة من الحُكام ؟ 0
ورقة الصمت هذه من أخطر الأوراق التي استغلتها واستخدمتها حكومة الإنقاذ حتى الآن ضد الخصوم ، وهي خطيرة لأنها كشفت عن خضوع شعوبنا السودانية وإستسلامها للهزيمة وللإرهاب الإنقاذي ، وهي التي ظلت لعقود طويلة تؤمن بالثورة وبالإنتفاضات ، وبحتمية استرجاع الحقوق المسلوبة 0
كان من المفترض أن يتحرك الشارع السوداني للضغط على حكومة الإنقاذ للتخلي عن تعذيبها لمواطنيها وتصفية خصومها المعارضين السياسيين ابتداءًا ، لأن حتمية التاريخ هي أن تحتضن الشعوب الثورة وتطيح بالديكتاتوريين والمستبدين وتدافع عن نفسها من شرور الأوغاد ، وترسم معالم حاضرها ومستقبلها بإرادتها ،، ولكن ما حدث ويحدث اليوم في سودان عهد الإنقاذ هو إنحراف تلك الشعوب عن قضاياها الوطنية الكبرى مجاراةً للمواقف الرسمية المنبطحة المخزية للإنقاذيين ، التي ما فتئت ترفع وتردد الشعارات الإسلاماوية بعد تقديمها في أشكال تموه على معناها الحقيقي ، مما أثر على حس تلك الشعوب وصيرها متبلداً حتى أصبح التسع عشر عام من عمر حكم الإنقاذ للبلاد عندها مجرد أرقام لا أكثر ولا أقل 0